- فقه السّيرة النّبويّةالسِّيرة النّبويّة موضوعيّاًبحوث ودراساتبحوث ومقالات

إِقَامَةُ المُجتَمَعِ الإسلامِيِّ في المَدينَةِ المنَوَّرَة، عَناصِرُ البُنيَة، وَإِمكَانيَّةُ التَّطبيقِ المُعَاصِر.

دراسَةٌ مِنَ النَّاحيةِ الاقتصَادِيَّة

“بحث مقدَّم لمؤتمر (فقه السيرة النبوية وإسقاطاتها المعاصرة) الذي أقامته حملة (وتبقى القائد والقدوة) في بيروت 4/4/1444هـ الموافق 29/10/2022م”

بقلم: أَنوَر مِصبَاح سُوبْرَة
دكتوراه دراسات إسلامية – تخصُّص اقتصاد وتمويل إسلامي

الحمدُ للهِ الذي جعلَ إعمارَ الآخرةِ مساراً، والفوزَ بالجنَّةَ هدفاً للمسلمين، واستجابَ لدعاءِ فاتحةِ الكتاب بطلبِ الهُدى إلى الصِّراطِ المستقيمِ الموصلِ إلى الجنَّةِ، فأرسَى كتابَه هدىً، ورسمَ فيه صراطاً مستقيماً يوصلُ إلى الجنَّة، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّدنا مُحمَّد، خاتَمِ الأنبياء والمرسَلين، قائدِ المسلمين إلى طريق الحقِّ والجنَّة، جعلهُ اللهُ تعالى قدوةً وأسوةً، وسراجاً منيراً لمن تبِعَ خُطاه، يقود ويهدي إلى الصِّراط المستقيم على بصيرةٍ وخطة، واتَّكلَ على الله حقَّ التوكِّل.   

مقدِّمة

أمَّا بعد، فقد قدَّمت السُنَّة الشريفة، في إطار موضوع الركن الاقتصادي من إدارة الدولة، أسُساً حاكمة لضبط نشاط القطاعات الاقتصادية المنتجة على اختلافها، وتفاصيل شاملة في ضبط المعاملات المالية والتجارية. كما أرسَت توجيهات راسخة واجبة الاتِّباع في إطار النشاط الاقتصادي على مستوى الأمَّة، هو وجوب تحديد الأهداف البعيدة المدى، أي باللغة المعاصرة: على المستوى الاستراتيجي، ثمَّ رسمَ الخطط التنفيذية لتحقيق هذه الأهداف.

التخطيط الاستراتيجي للهجرة ولتأسيس الدولة

يتَّضح هذا التوجُّه المذكور أعلاه في حركة الرَّسول الأشرف، صلَّى الله عليه وسلَّم، مع انطلاق جهوده لتأسيس الدولة التي تتمتَّع بالمقوِّمات التي تراكم القدرات والقيادات الإدارية والاقتصادية، وثبات مبدأ القدوة في التخطيط والعمل في أرجاء الأمة الإسلامية على انتشارها الجغرافي في المستقبل.

تحديد الهدف

لم يكن مغادرة مكَّة في ذلك الوقت، هو مجرَّد الانفلات من التعذيب الجسدي والنفسي، والحرمان من مقوِّمات الحياة، لكنَّها كانت انطلاقة لتأسيس نواة الدولة بمقوِّماتها الأساس، ومنها الاقتصادية، واعتمادها قاعدة لتحرير مكَّة من الشِّرك والأصنام. فقد حدَّد الرَّسُول صلَّى الله عليه وسلَّم، الهدف من خلال حركته على الأرض، وهو تأسيس دولة تتمتَّع، على مدى وجودها، بالقدرة على الإنتاج الاقتصادي الذي يبني مقدرات اقتصاد ذاتي، يتخطَّى مخاطر الحصار، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، أو حدِّ الكفاية، على مستوى الأفراد والدولة.  

التخطيط لتحقيق الهدف

إنَّ الباحث في فقه الهجرة، لا بدَّ أن يلاحظ أنَّ التخطيط للهجرة حصل بدقَّة واضحة، ابتداءً بتحضير الرواحل، والرفيق، والدليل، وردِّ الأمانات، والانطلاق إلى خلاف الاتجاه المقصود، ومحو آثار المسير، واللجوء إلى الغار، وصولاً إلى المدينة المنوَّرة.  هذا التوجُّه يدلُّ على وجوب التخطيط الذكي لتحقيق الأهداف المرسومة، وعلى توجيه نبويٍّ شريف بضرورة الأخذ بالأسباب. أمَّا من الناحية الاقتصادية، فكان التوجُّه في تنفيذ الخطط يحتوي على ميزات وأهداف اقتصادية فرعية واضحة. 

الخطة الأولى (أ)

قبل الهجرة إلى المدينة، كانت الخطة الأولى هي بذل الجهد المباشر بشخص الرَّسُول، صلَّى الله عليه وسلَّم، لإيجاد المركز البديل لتأسيس الدولة، فاتَّجه في المحاولة الأولى إلى الطائف. وكان من ميزات الخطة من الناحية الاقتصادية أنَّها تتيح تأسيس دولة بمقوِّمات اقتصادية ذاتية، تسمح بالاكتفاء الذاتي بالسِّلع الغذائية على المدى البعيد، بالإضافة إلى وضع الطائف على مسار خطوط التجارة، ومقاومة عوامل الحصار والمقاطعة. وهذه الميزات هي التالية:

  1. قطاع زراعي ناجح لأنَّ الطائف منطقة ذات مناخ أكثر اعتدالاً من مكَّة، وتحتوي على مصادرمياه جارية، واشتغال أهلها بالزراعة يكسبها خبرة في تنوُّع الإنتاج الزراعي، يتيحه وجود المياه، والمناخ المساعد، والموارد البشرية.
  2. إنتاج منتجات زراعية تكفي ساكنيها من الغذاء، وممارسة التجارة المحليةمن خلال القدرة على بيع جزءٍ من الإنتاج الزراعي إلى المناطق المجاورة مثل مكَّة القريبة، وتوفير موارد ماليَّة إضافية.
  3. ممارسة نفوذ اقتصادي على مكَّة، أحد أسواق تصريف المنتجات الزراعية للطائف، من خلال حبس المنتجات عنها.
  4. تتمتَّع بموقع قريب من مكَّة، وطبيعة جغرافية جبلية يعطيها منعة من الهجوم الخارجي، وهي بمثابة قلعة صامدة بقدرة مميزة على الدفاع لصالح المدافعين عنها.
  5. لا يمنع الحصار، في حال حصوله، إنتاج السِّلع الغذائية اللازمة للصمود.

لم تنجح خطة الطائف بسبب رفض أهلها الاستجابة إلى الدعوة، كما فعل أهل مكَّة، بهدف عدم التخلِّي عن مكتسباتهم الاقتصادية خاصة، وموقعهم من مكَّة، والتنازل عنها لمصلحة الدولة الجديدة، أو التشارك فيها.

وممَّا ورد هذه الحادثة في كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان “ذهابه صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أهل الطائف يدعوهم إلى دين الله.”

قال ابن اسحاق: فلمَّا هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله ﷺ من الأذى ما لم تكن نالته منه في حياة عمِّه أبى طالب، فخرج رسول الله ﷺ إلى الطائف، يلتمس من ثقيف النصرة والمنعة بهم من قومه، ورجا أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله تعالى، فخرج إليهم وحده. قال ابن إسحاق: فحدَّثني يزيد بن أبى زياد، عن محمَّد بن كعب القرظي.

قال: انتهى رسول الله ﷺ إلى الطائف وعمد إلى نفر من ثقيف هم سادة ثقيف وأشرافهم وهم أخوة ثلاثة: عبد ياليل، ومسعود، وحبيب بنو عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف.

وعند أحدهم امرأةٌ من قريش من بني جمح، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله، وكلَّمهم لما جاءهم له من نصرته على الإسلام، والقيام معه على مَن خالفه مِن قومه.

فقال أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إنْ كان الله أرسلك.

وقال الآخر: أمَا وجد الله أحداً أرسله غيرك؟

وقال الثالث: والله لا أكلمك أبداً. لئن كنت رسولاً من الله كما تقول، لأنت أعظم خطراً من أنْ أردَّ عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلِّمك.

فقام رسولُ الله ﷺ من عندهم وقد يَئِسَ من خير ثقيف، وقد قال لهم فيما ذكر لي: “إنْ فعلتم ما فعلتم، فاكتموا عليَّ.”

الخطة البديلة (ب)

كانت الخطة الثانية هي التالية للتنفيذ، وكان الهدف هذه المرة، يثرب. لكن لم مقاربة يثرب شخصية مثل مقاربة الطائف، بل أرسل الرَّسُولُ صلَّى الله عليه وسلَّم، أحد أصحابه وهو مُصعَب بن عُمير، رضي الله تعالى عنه، للتمهيد بالدعوة الهادئة، أي بالعلاقات الدبلوماسية، وتهيئة الأجواء الملائمة، وإقناع أهل يثرب بالمكاسب التي سيحقِّقونها من التزام الدعوة وتأييدها. استطاع مُصعَب تحقيق الهدف من وجوده في يثرب باكتساب قبول أهل يثرب للدعوة الجديدة على أساس مبادئها فقط دون مكاسب مادية في ذلك الحين، لأنَّ المكاسب الاقتصادية منها لم تكن واضحة لهم في ذلك الوقت. الرُّكن الأول في تأسيس الدولة، هو استقرار المبادئ التي تقوم عليها الدولة، قبل النظر في المكاسب. 

رفَعَ هذا الخيار الجديد مستوى الهدف أيضاً، بحيث تخطَّى تحقيق حدِّ الكفاية، كما في الطائف، وتجاوزه إلى فرض القدرة على المنافسة الإقليمية في التجارة، ومراقبة طرقها، والسيطرة عليها. أمَّا أهم ميزات يثرب الاقتصادية التي جعلتها هدفاً للخطة البديلة، فهي التالية:

  1. قطاع زراعي ناجح بسبب توافر المياه، وهي أرض زراعية، وغنيَّة بأشجار النَّخيل.
  2. إنتاج زراعي وسِلعي يحقِّق حدِّ الكفاية من المنتجات الغذائية، والاكتفاء الذاتي من المياه والغذاء لأهلها.
  3. قطاع تجاري ناجح لأنَّ يثرب على طريق التجارة إلى الشام، وداخل شبه الجزيرة، وهي مصدر تراكم ثروات اقتصادية ومالية، من خلال توافر رؤوس أموال تموِّل القطاع التجاري، وتصدير السِّلع المُنتَجة محلياً، والتجارة بالسِّلع المستوردة.
  4. الموقع الجغرافي الهام على عقدة طرقات المواصلات التجارية، ممَّا يضيف فرصة ممارسة نفوذ في السيطرة على طرق التجارة، وهو جزءٌ من الخطة في إرسال الوفود إلى الدول المجاورة كافة.
  5. بناء علاقات مستدامة مع دول الجوار، وتحقيق موارد ماليَّة إضافية، لا سيَّما الشَّام، ومع الحبشة من خلال العلاقات الطيبة في الهجرة إليها، ومع اليمن بسبب البعثات المتتالية لمندوبي الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، بالإضافة إلى مراقبة تجارة مكَّة ومتابعتها، ومتابعة أوضاعها التجارية والاقتصادية العامة من خلال حركة القوافل، وهي الهدف النهائي للدولة الجديدة. ومن نتائج هذا الجهد المبذول هو مكاسب معركة بدر، مع العلم أنَّ كافة المعارك كانت دفاعية. [1]
  6. موقع يثرب البعيد عن مصدر الخطر الرئيس، وهو مكَّة، يتيح بسبب بُعد المسافة، الفرصة للتحضير العسكري للدفاع عنها، مع طبيعة جغرافية من تضاريس جبلية حولها تُؤمِّن حماية إضافية لها.
  7. عدم الاستقرار السياسي والأمني في يثرب، من خلوُّ سدَّة الرئاسة، وخلافات القبائل، وتهديد اليهود لهم، وسيطرتهم على الحياة الاقتصادية فيها، كانت عناصر مساعدة لتحقيق الهدف.

كان العنصر الاقتصادي أساس لوجود نواة الدولة بسبب الواقع الذي تعرَّض له أتباع الدعوة في مكَّة من اضطهاد وتعذيب، وإبعاد عن مساكنهم إلى شعاب مكَّة القاحلة التي لا تتمتَّع بأيِّ قدرة إنتاجية، ومنع الزواج منهم، والمتاجرة معهم، وحصارهم لمدة ثلاث سنوات، مع عدم القدرة على مغادرة منطقة الحصار، وتطبيق العقوبات عليهم بمنع الغذاء ومقوِّمات الحياة عنهم، ومصادرة أملاكهم، ومنع الآخرين بيعهم السِّلع.

أدَّى ذلك كلِّه إلى أهمية تواجد الدولة الجديدة في موقع حصين، مع القدرة على إنتاج السِّلع الضرورية، والاكتفاء الذاتي منها إلى حدِّ الكفاية، مع إمكانية تطوير النشاط الاقتصادي وموارد الدولة لإعالة مواطني الدولة مع ازدياد أعدادهم. ولا بدَّ من حماية كل هذه الحقوق والموارد الاقتصادية، والحفاظ عليها، من خلال القوة العسكرية العادلة المدافعة. ([2])

وردت هذه الأحداث في البداية والنهاية، الجزء الثالث، باب هجرة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بنفسه الكريمة من مكَّة إلى المدينة.

قال محمد بن إسحاق: وكان أبو بكر حين استأذن رسول الله ﷺ في الهجرة فقال له: “لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحباً”. وقد طمع بأن يكون رسول الله ﷺ إنَّما يعني نفسه، فابتاع راحلتين حبسهما في داره يعلفهما إعداداً لذلك… ثم قال: يا نبيَّ الله، إنَّ هاتين راحلتين كنت أعددتُهما لهذا، فاستأجرا عبد الله بن أرقط. قال ابن هشام: ويقال عبد الله بن أريقط، رجلاً من بني الدئل بن بكر، وكانت أمُّه من بني سهم بن عمرو، وكان مشركاً يدلُّهما على الطريق، ودفعا إليه راحلتيهما، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما… أما عليّ، فإنَّ رسول الله ﷺ أمَرَه أن يتخلَّف حتى يؤدي عن رسول الله ﷺ الودائع التي كانت عنده للنَّاس.. ثم عمدا إلى غار بثور – جبل بأسفل مكة – فدخلاه، وأمر أبو بكر الصدِّيق ابنه عبد الله أن يتسمَّع لهما ما يقول النَّاس فيهما نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر… وكان عامر بن فهيرة يرعى في رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلبا وذبحا. فإذا غدا عبد الله بن أبي بكر من عندهما إلى مكة أتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم يعفي عليه… قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن أباه حدثه عن جدته أسماء. قالت: لما خرج رسول الله ﷺ وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر ماله كلَّه معه خمسة آلاف درهم – أو ستة آلاف درهم – فانطلق بها معه… وقد لجآ إلى الغار فأقاما فيه ثلاثة أيام ليسكن الطلب عنهما… فلما مضت الثلاث وسكن عنهما الناس، أتاهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيريهما وبعير له، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بسفرتهما… قال ابن إسحاق: ولما خرج بهما دليلهما عبد الله بن أرقد سلك بهما أسفل مكة، ثم مضى بهما على الساحل… ثم قدم بهما قباء على بني عمرو بن عوف لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين.

نجحت الخطة (ب)، وثبتت الدولة الجديدة في المدينة المنوَّرة بعد تحدِّيات عديدة على مستويات مختلفة. وترافق ذلك مع إقرار عدد من الضوابط والموازين الشرعية للنشاط الاقتصادي على اختلاف قطاعاته، والمعاملات المالية، والنقدية. وفيما يلي أهم هذه الضوابط والموازين مع أدلَّتها من الأحاديث النبوية الشريفة.

أهم ضوابط السياسات الاقتصادية، والمالية، والنَّقدية المستقاة من السُنَّة النبويَّة الشريفة

  1. تثبيت السياسة النَّقدية

إقرار التعامل بالدينار الرومي، والدرهم الساساني، مع الضوابط الشرعية لصرفها، وتداولها. ورغم أنَّ إصدار النَّقد هو من أعلى درجات السيادة، إلا أنَّ الدولة لم تكن جاهزة لهذا البُعد النَّقدي، وتأجَّل إصدار النَّقد إلى  عهد الخلافة، بحيث ضاهت النُّقود الإسلامية النُّقود الرومية والفارسية من حيث نقاوة معدنها ودقة وزنها.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، – يَعْنِي ابْنَ بِلاَلٍ – عَنْ مُوسَى، بْنِ أَبِي تَمِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ:”‏ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا.”  (صحيح مُسلم)

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: أَحَدَّثَكُمْ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ؟ قَالَ: لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعَانِي، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا بُنَىِّ، إِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلاَّ ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وَإِنِّي لاَ أُرَانِي إِلاَّ سَأُقْتَلُ الْيَوْمَ مَظْلُومًا، وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي، أَفَتُرَى يُبْقِي دَيْنُنَا مِنْ مَالِنَا شَيْئًا؟ فَقَالَ: يَا بُنَىِّ، بِعْ مَالَنَا فَاقْضِ دَيْنِي‏… ‏قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الَّذِي عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ فَيَسْتَوْدِعُهُ إِيَّاهُ، فَيَقُولُ الزُّبَيْرُ: “لاَ وَلَكِنَّهُ سَلَفٌ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ”، وَمَا وَلِيَ إِمَارَةً قَطُّ وَلاَ جِبَايَةَ خَرَاجٍ وَلاَ شَيْئًا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي غَزْوَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أَوْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: فَحَسَبْتُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، فَوَجَدْتُهُ أَلْفَىيْ أَلْفٍ وَمِائَتَىيْ أَلْفٍ … فَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ قَالَ بَنُو الزُّبَيْرِ: اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيرَاثَنَا‏.‏ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ لاَ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ حَتَّى أُنَادِيَ بِالْمَوْسِمِ أَرْبَعَ سِنِينَ، أَلاَ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فَلْنَقْضِهِ‏… ‏فَجَمِيعُ مَالِهِ خَمْسُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ‏.‏ (صحيح البخاري)

  1. تنمية الموارد البشرية

الوصول إلى مرحلة التشغيل الكامل باستخدام الموارد البشرية كلها، والاهتمام الخاص بعنصر الشباب، وتسليمهم المسؤوليات الرئيسة والمراكز القيادية في الدولة، عسكرية في قيادة السرايا، واقتصادية في ممارسة الأعمال، ومالية من خلال جباية الزكاة، ودفع الصَّدقات، ومبدأ الإنفاق الشرعي الواجب على الأقارب.

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ـ رضي الله عنهما ـ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ‏ “‏ إِنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ، إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ.” (صحيح البخاري) 

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعَ الْبَرَاءَ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَبِلاَلٌ رضى الله عنهم‏.‏ (صحيح البخاري) 

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ فَتًى، مِنْ أَسْلَمَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ وَلَيْسَ لِي مَالٌ أَتَجَهَّزُ بِهِ ‏.‏ قَالَ:”‏ اذْهَبْ إِلَى فُلاَنٍ الأَنْصَارِيِّ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ، فَقُلْ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ ادْفَعْ إِلَيَّ مَا تَجَهَّزْتَ بِهِ.‏”‏ ‏فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: يَا فُلاَنَةُ، ادْفَعِي لَهُ مَا جَهَّزْتِنِي بِهِ وَلاَ تَحْبِسِي مِنْهُ شَيْئًا، فَوَاللَّهِ لاَ تَحْبِسِينَ مِنْهُ شَيْئًا فَيُبَارِكَ اللَّهُ فِيهِ. (سنن أبي داود، حديث صحيح)

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: “لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ.”  (صحيح البخاري)

  1. حماية الموارد الطبيعية

دعم سياسة حماية الموارد الطبيعية للاستثمار والاستهلاك الحالي، وللأجيال اللاحقة، من خلال منع الفساد في الأرض، وعدم الإسراف والتبذير، ومنع التعدي على المخلوقات الأخرى من نبات ودواب، والحفاظ على البيئة بإماطة الأذى، وعدم ترك الموارد دون استثمار.

عن أبي هريرة رضيَ الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال:“بينا رجلٌ بفلاةٍ مِن الأرضِ، فسمِعَ صوتاً في سَحابة: اسْقِ حديقةَ فلان، فتنَحَّى ذلكَ السَّحاب، فأفرغَ ماءَهُ في حَرَّة، فإذا شَرْجةٌ من تلك الشِّراج قد استوعَبت ذلك الماء كله، فتتبَّعَ الماء، فإذا رجلٌ قائمٌ في حديقتِه يحوِّل الماءَ بمِسْحَاتِه، فقال لهُ: يا عبدَ الله، ما اسمُك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمِعَ في السَّحابة، فقالَ له: يا عبد الله، لمَ تسألني عن اسمي؟ فقال: إنِّي سَمعتُ صَوتاً في السَّحاب الذي هذا ماؤُه، يقولُ: اسْقِ حديقةَ فلان – لاسمك -، فما تصنَعُ فيها؟ قال: أما إذْ قلتَ هذا، فإنِّي أَنظرُ إلى ما يخرجُ منها، فأَتَصدَّقُ بثُلثِهِ، وآكلُ أنا وعِيالي ثُلثاً، وأردُّ فيها ثُلثَه.”  (صحيح مُسلِم)

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا، سَأَلَهُ اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِ”، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: “أَنْ يَذْبَحَهَا فَيَأْكُلَهَا، وَلَا يَقْطَعَ رَأْسَهَا فَيَرْمِيَ بِهَاُ.” (أخرجه أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ. حديث صحيح)

حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ الْحِمْصِيُّ، وَحَبِيبُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:” مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ.”

(جامع الترمذي، حديث صحيح)

  1. سياسة ضبط الموارد المالية

تحديد مصادر الأموال للقطاع الخاص، والمصادر المالية للدولة من خلال الفيء، والغنائم، والجزية، وغيرها من النشاطات المباشرة من أملاك الدولة، وحصر سبل استخدامها وأساليبها، والإنفاق على قدر الواردات.

حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا ـ رضى الله عنه ـ عَلَى الْيَمَنِ قَالَ ‏ “‏ إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهُمْ زَكَاةً ‏{‏تُؤْخَذُ‏}‏ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ.‏” (صحيح البخاري)

أخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى بَعِيرًا فَأَخَذَ مِنْ سَنَامِهِ وَبَرَةً بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ ثُمَّ قَالَ:”‏ إِنَّهُ لَيْسَ لِي مِنَ الْفَىيْءِ شَىيءٌ، وَلاَ هَذِهِ إِلاَّ الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ.” سنن النسائي، حديث صحيح.

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ جَدِّهِ، رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يَجْعَلُ فِي قَسْمِ الْغَنَائِمِ عَشْرًا مِنَ الشَّاءِ بِبَعِيرٍ ‏.‏

(سنن النسائي، حديث صحيح) 

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالاَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسلِم الْخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ:‏ “العَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ.” (جامع الترمذي، حديث حسن)

أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم نَهَى عَنْ سَلَفٍ وَبَيْعٍ، وَشَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، وَرِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ.” (سنن النسائي، حديث حسن)

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ الْمُزَنِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏ “‏ السَّمْتُ الْحَسَنُ وَالتُّؤَدَةُ وَالاِقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ‏”‏ (جامع الترمذي، حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ)

حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، وَعَمْرُو بْنُ رَافِعٍ، قَالاَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ النَّخَعِيُّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم:‏ “‏ مَنْ بَاعَ دَارًا وَلَمْ يَجْعَلْ ثَمَنَهَا فِي مِثْلِهَا لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهَا.”

(سُنن ابن ماجة، حديث ضعيف، حسَّنه البعض)

  1. ديمومة العمل في القطاعات الاقتصادية الإنتاجية

 تشجيع العمل على اختلاف مراتبه العضلية والذهنية، وتفصيل شروط استثمار الأراضي الزراعية، والتشجيع على استثمار الأراضي كافة من خلال الإقطاع، والمنح، وإحياء الأرض الموات، والمشاركة بالعقود الزراعية. وتشجيع أعمال التجارة التي تزيد من رؤوس الأموال المستثمرة، وتجلب السلع التي تحتاجها الدولة والمجتمع، وتحقيق الاكتفاء الذاتي للدولة، والاتفاق على الأمن والتعاون مع الدول المجاورة.

سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ خَيْرَ الْعَمَلِ أَدْوَمُهُ، وَإِنْ قَلَّ.” (سنن ابن ماجة، حديث صحيح)

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ: “‏ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ.” (سنن أبي داود، حديث صحيح)

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرٍ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ كَانَتْ لِرِجَالٍ مِنَّا فُضُولُ أَرَضِينَ فَقَالُوا نُؤَاجِرُهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ‏.‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:”‏ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ.‏”صحيح البخاري.

حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا مِنْ مُسلِم يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ.” (صحيح مُسلِم)

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ:”‏ مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ ـ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ.” (صحيح البخاري)

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَالِمِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :“الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ.”

(سُنن ابن ماجة، فيه عليّ بن سالم، ضعَّفه البخاري)

  1. حفظ الحقوق الاقتصادية الخاصة والعامة

إصدار تشريعات خاصة بحقوق العمل، والأُجراء، وحماية الحقوق الاقتصادية بالعقوبات الجسدية الرادعة، ومنع الإضرار بحقوق الآخرين وضمان قيمتها.

حدَّثني بِشرُ بن مرحُوم حدَّثنا يحيى بن سليم عن اسماعيل بن أميَّة عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هُريرة رضي الله عنه عن النَبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “قَالَ الله: ثَلاثَةٌ أَنَا خَصمُهُم يومَ القِيامَةِ، رجُلٌ أَعطَى بي ثُمَّ غَدَر، ورَجُلٌ باعَ حُرّاً فأَكَلَ ثَمَنَهُ، ورجُلٌ استأجَرَ أَجيراً فاستَوفَى مِنهُ وَلَم يُعطِ أَجرَهُ.” (صحيح البخاري)

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ صَالِحٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: “إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ.”  (سُنن ابن ماجة، حديث صحيح) ‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مَخْلَدِ بْنِ خُفَافٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم:‏ “‏الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ.” (سنن أبي داود، حديث حسن)

عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ سَارِقٍ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. متَّفق عليه.

عَن عائشَة رضيَ اللهُ عَنها أنَّ رسُولَ الله صلَّى اللهُ عَليه وسَلَّم قالَ‏:‏ “مَن ظَلَمَ قَيدَ شِبرٍ مِن الأرضِ طَوَّقَهُ مِن سَبعِ أرضِين.” ‏(متَّفق عليه)‏

  1. تحقيق التكافل الاجتماعي

تحديد حدِّ الكفاية للعمَّال، وتحمُّل مسؤولية أداء الالتزامات المالية. بعدما وصل إلى الدولة موارد مالية منضبطة، استلمت الدولة مسؤولية الأمن الاقتصادي للفئات الاجتماعية المهمَّشة حصَّة في توزيع الدَّخل، مع تشريع الزَّكاة إلى مستفيدين محدَّدين منهم، دون استئثار الدولة بأيٍّ منها.   

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏ “‏ إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ.”

(صحيح البخاري)‏

عن النُّعمان بن بشير رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ‏”مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم، مثل الجسدِ، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهَر والحُمَّى.” ‏(متَّفق عليه)‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَحُمَيْدِ بْنِ هَانِئٍ الْخَوْلاَنِيِّ، أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ، يُخْبِرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ـ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّهُ قَالَ:‏ “‏ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ هُدِيَ إِلَى الإِسْلاَمِ وَرُزِقَ الْكَفَافَ وَقَنِعَ بِهِ.”

(صحيح ابن ماجة)

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ وَمَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُمَيْلَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا.” (سُنن الترمذي، حديث حسن غريب)

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعَافَى، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَقُولُ: ‏”‏مَنْ كَانَ لَنَا عَامِلاً فَلْيَكْتَسِبْ زَوْجَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَكْتَسِبْ خَادِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَلْيَكْتَسِبْ مَسْكَناً.” قَالَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ: ‏”مَنِ اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ أَوْ سَارِقٌ.‏”‏ ‏ (سنن أبي داود، حديث صحيح)

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم:”‏ مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَعَلَىَّ وَإِلَىَّ وَأَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ.” (سنن ابن ماجة، حديث صحيح)

  1. إقرار قوانين السوق وضبط المعاملات

تحديد مكان السوق للتبادل، دون قيود تعسفية، وبضوابط الحِسبة، والالتزام بضوابط القيَم الأخلاقية في التعامل مثل الإفصاح وإظهار العيوب، وحفظ الأمانة والالتزام بالعهود والعقود، والاتقان في العمل، والرفق في المعاملة، وأداء الحقوق.

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، وَعَلِيٌّ، ابْنَا الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَرَّادِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، حَدَّثَهُمَا أَنَّ أَبَاهُ الْمُنْذِرَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ، أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم ذَهَبَ إِلَى سُوقِ النَّبِيطِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: ‏” لَيْسَ هَذَا لَكُمْ بِسُوقٍ.‏”‏ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى سُوقٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ:‏” لَيْسَ هَذَا لَكُمْ بِسُوقٍ،‏ ‏ثُمَّ رَجَعَ إِلَى هَذَا السُّوقِ، فَطَافَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ:‏ هَذَا سُوقُكُمْ، فَلاَ يُنْتَقَصَنَّ، وَلاَ يُضْرَبَنَّ عَلَيْهِ خَرَاجٌ. ‏”‏

 أي لَا يَبْطُلَنَّ هَذَا السُّوقُ، بَلْ تَدُومُ لَكُمْ، ولا يُفرَض على كُلُّ مَنْ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فِيهَا فَعَلَيْهِ كَذَا. حاشية السندي على ابن ماجة. (سُنن ابن ماجة، في الزوائد: فيه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ)

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى.” (صحيح البخاري)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: “أَدِّ اَلْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ اِئْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ.” أخرجه الترمذي، حديث حسن.

  1. حرية النَّشاط الاقتصادي وتبادل السِّلع

تبادل  دون عوائق على أساس العرض والطَّلب، والمنافسة الحُرَّة، ومنع الاحتكار، في ظل توافر المعلومات عن أسعار السلع للمشترين.

حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم:”‏ لاَ تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ.” قَالَ، فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لاَ يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا‏.‏

(صحيح البخاري)

عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لَا يبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ من بعض.” (صحيح مُسلم)

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ:”‏ لاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا الأَسْوَاقَ.”

(سُنن أبي داود، حديث صحيح)

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَنَشْتَرِي مِنْهُمُ الطَّعَامَ، “فَنَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى يُبْلَغَ بِهِ سُوقُ الطَّعَامِ”، قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: هَذَا فِي أَعْلَى السُّوقِ، يُبَيِّنُهُ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ .(صحيح البخاري)

حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ أَبِي مَعْمَرٍ، أَحَدِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم:‏ “‏ لاَ يَحْتَكِرُ إِلاَّ خَاطِئٌ.‏”‏ ‏

قالَ أَبُو دَاوُدَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ، مَا الْحُكْرَةُ؟ قَالَ: مَا فِيهِ عَيْشُ النَّاسِ‏.‏ قَالَ أَبُو دَاوُدَ، قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: الْمُحْتَكِرُ مَنْ يَعْتَرِضُ السُّوقَ.‏ (سنن أبي داود، حديث صحيح)

  1. سياسة التسعير

 وتحديد ضوابط حفظ مصالح الناس في الأسواق. وإنْ كان التوجُّه الاقتصادي الحرُّ لا يعني تدخُّل الدولة في تحديد الأسعار، إلا أنَّ الضوابط الأخلاقية، والمنافسة في السُّوق هي التي تحكم سياسات التسعير.

غَلا السِّعرُ على عَهدِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالوا: يا رسولَ اللَّهِ، سَعِّر لنا، قالَ: “إنَّ اللَّهَ هوَ المسَعِّرُ، القَابِضُ، البَاسِطُ، الرَّزَّاقُ، وإنِّي لأرجو أَن أَلقَى رَبِّي ولَيسَ أَحدٌ منْكُم يَطلُبني بمَظلِمةٍ في دَمٍ ولا مَالٍ.” (صحيح الترمذي)

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا عُمَرُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: مَرِضَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، فَأَتَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ يَعُودُهُ، فَقَالَ: يَا مَعْقِلُ، هَلْ تَعْلَمُنِي ظَلَمْتُ أَحَدًا ظُلامَةً؟ قَالَ: أَجْلِسُونِي سَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسلِمينَ لِيُغْلِيَهَا عَلَيْهِمْ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُقْعِدَهُ لِعَظِيمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.”

(أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب، فيه زيد بن مرة، رواته كلهم ثقات معروفون)

  1. العدل في المعاملات

تثبيت مبدأ العدل في كل أنواع المعاملات المالية والاقتصادية على اختلافها من تقاضي العوائد برضى أصحاب الأموال، وعدم الظلم، ووجوب الإفصاح عن العيوب، وضمان البيوع، مع خيارات للبائعين والمشترين، وتشريع ضوابط المشاركة في الأعمال.

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ ‏رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا‏ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ‏صلَّى الله عليه وسلَّم:” لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَراً فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا،‏ بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ?”

(أخرجه مُسلِم) 

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ لِبَيْعٍ، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ. (صحيح مُسلِم)

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً فَقَالَ: ‏”‏يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ مَا هَذَا؟‏”‏ ‏قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ‏.‏ قَالَ: ‏”أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ.‏”‏ ثُمَّ قَالَ:‏”‏ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا.‏”‏ (أخرجه الترمذي، حديث صحيح)

عن المعرور بن سويد قال‏:‏ رأيتُ أبا ذرٍّ رضي الله عنه وعليه حُلَّة، وعلى غلامه مثلها، فسألتُه عن ذلك، فذكر أنَّه سابَّ رجلاً على عهدِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فعيَّرَه بأُمِّه. فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏‏ “‏إنَّك امرؤٌ فيك جاهلية،‏ هُم إخوانُكم، وخَوَلُكم جعلهم الله تحتَ أيديكُم. فمَن كان أخوه تحتَ يدِه فليُطعِمهُ ممَّا يأكل، ويُلبسهُ ممَّا يلبِس، ولا تكلِّفُوهم ما يَغلِبُهم، فإنْ كلَّفتُموهُم فأَعينُوهُم.” ‏‏(متَّفق عليه).

عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ‏- صلَّى الله عليه وسلَّم: “لَا تَلَقَّوا اَلْجَلَبَ، فَمَنْ تُلُقِّيَ فَاشْتُرِيَ مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ اَلسُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ.”‏ (صحيح مُسلِم)

  1. حماية الدولة ومقدراتها الاقتصادية

تشكيل القوة المانعة للاعتداء وحفظ الحقوق: تأسيس السرايا، وبعثها إلى الأرجاء المجاورة لإثبات القوة والقدرة على الردع ومنع الاعتداء.

عَن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُول:” ﭧﭐ ﭨﭐﱡﭐ ﱠ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ.”

(صحيح مُسْلِم)

التطبيقات المعاصرة في الاقتصاد

تكاد تُجمع آراء الاقتصاديين المعاصرين على أنَّ تحقيق الأهداف الاقتصادية التي تحدِّدها الدولة يعتمد على سياسة طويلة الأمد تشمل أركاناً تشكِّل أسساً لاستمرار الحياة العزيزة الكريمة للأمة على مداها الجغرافي المتَّسِع. وهذه العناصر هي التالية:

  1. توزيع عادل للدَّخل بين مختلف أطراف الإنتاج، وتحقيق مستوى معيشة يبدأ من حدِّ الكفاية، يرتقي بالتنمية البشرية مثل التعليم، والعناية الصحية، والعمل المنتج، وحدُّ الكفاية من الأجر، مع تحسُّن الأداء الاقتصادي.
  2. التوظيف الكامل للموارد البشرية لأنَّه الركيزة الأساس لكل نشاطٍ اقتصادي، وهو الهدف منه، على اعتباره أكرم المخلوقات.
  3. استثمار الموارد الاقتصادية المتاحة، المالية والبشرية والطبيعية، وتوظيفها بكفاءة وتوازن، دون هدر وإسراف، لإنتاج ما يحتاجه المجتمع من سلع وخدمات، دون احتكار أو سوء استخدام أو الإضرار بالآخرين.
  4. تشجيع الاستهلاك الذي يُلبِّي حدَّ الكفاية للإنسان دون إسراف أو تقتير، على أساس الرُّشد الاقتصادي.
  5. تثبيت استقلالية الأمَّة، ونفي تبعيَّتها إلى غيرها من الدول، من خلال إنتاج السلع الاستراتيجية التي تحتاجها الأمة، وتحفظ بها أسباب القوة بمواردها الاقتصادية.
  6. الحفاظ على البيئة، وحفظ حقوق الأجيال القادمة فيها، باستخدام الموارد الطبيعية المتجدِّدة التي سخَّرها الله تعالى للإنسان، مع استخدام رشيد للموارد الطبيعية القابلة للنَّفاذ.
  7. الحفاظ على الموارد المالية المتاحة للنَّاس كافة، من صغار المدَّخرين، وأصحاب المال والأعمال، وأموال الدولة من خلال منع اكتنازها أو استئثار مجموعة نافذة بها، واستثمارها في أصول ومشاريع إنتاجية في الاقتصاد الحقيقي، وهذا يؤدي إلى توفير السِّلع التي يحتاجها المجتمع، واستقرار أسعارها، ومنع التضخُّم، واستقرار القيمة الشرائية للنَّقد، وتقليص الحاجة إلى تدخُّل السلطات النقدية في القطاع المالي.
  8. التزام منظومة من القِيَم أخلاقية تحكم المعاملات المالية والنشاط الاقتصادي العام بين الأفراد، وفي الدولة.
  9. العمل على تحقيق إنجازات اقتصادية واضحة تؤدي إلى تنمية اقتصادية مستدامة بثبات، بوجه إنساني، ولو كانت بخطى متواضعة، وهو خير من نمو اقتصادي متمادي يتبعه انهيار بسبب عدم التوازن في أداء القطاعات الاقتصادية.
  10. تثبيت دور فعَّال للدولة في تنظيم النشاط الاقتصادي، وتوجيهه من خلال القوانين التنظيمية، دون تعسُّف، مع ضرورة تفعيل أنظمة رقابة ومحاسبة ومحاربة الفساد، والمحافظة على حقوق المشاركين في القطاعات الاقتصادية كافة.
  11. التعاون مع الدول الأخرى في العالم في تبادل السلع والخدمات بما يحقق مصالح الدولة، دون المساس باستقلاليتها، على أساس الأخوة البشرية، والتواصل الهادف. ([1])

إنَّ المقارنة بين هذه التوجهات الاقتصادية المعاصرة مع الضوابط الواردة أعلاه في السُنَّة النبويَّة الشريفة، تؤكد عودة الفكر الاقتصادي العربي والغربي إلى ضوابط الشريعة. كل هذه السياسات المذكورة ممكنة التطبيق، إلا أنَّ التحدي هو في وجود سلطة ذات قرار مستقل، تتخلَّى عن ضعف التبعية، وتعمل بإرادة حرَّة وعلمية وموضوعية، والعودة إلى بناء ركائز القوة الاقتصادية الذاتية رغم الأثمان المؤلمة التي يجب تحمُّلها، لأنَّ ثمن تثبيت القرار الحرِّ، أدنى بكثير من الخسائر الفادحة المستمرة للتبعية.

أمَّا الشرط الضروري الذي بدونه لا يمكن أن تتحقق التنمية، هو إطار الاستقلالية العالية للدولة، ووجود جهاز فاعل للدولة في النظام الاقتصادي، في ظل شراكة بين الدولة والقطاع الخاص بصيغة معينة تسمح للدولة بتحديد وجهة النشاطات الاقتصادية. وبذلك، لا يمكن أن يكون دور الدولة مجرد تيسير أمور القطاع الخاص وتلبية احتياجاته المختلفة مالياً وتشريعياً وضريبياً، بل يجب أن يكون دوراً فاعلاً في اتِّباع سياسات تصبُّ في مصلحة الاقتصاد، ذلك لأنَّ الانفتاح غير المشروط بناءً على قواعد الليبرالية هو بداية الطريق إلى حدوث الأزمات.

تعتمد الحرية الاقتصادية على ما يملكه الفرد من موارد أو تكون متاحة لاستخدامه في عمليات الإنتاج والتبادل والاستهلاك، وتكون زيادة الثروة بسبب التنمية تعزِّز الإمكانات الاقتصادية للسكان. والتنمية الاجتماعية تُفسح المجال للأفراد أن يعيشوا في حياة طيبة في ظل مستوى جيد من الصحة والتعليم، وتعزيز العمل الجماعي في المجتمع مع ضمان الإفصاح والحدّ من الفساد، مع توفير شبكة أمان اجتماعي بمختلف البرامج لدعم الشرائح الاجتماعية الأقل دخلاً. ([2])

لكن لا يمكن أن تكون التنمية الاقتصادية إنسانية إلا بتوفير محددات استدامتها وتمكين الأجيال القادمة من التمتع بحياة مستقرة، ومنتجة، وصحية، وتعليمية مُستدامة. وهذا التوجُّه يحتاج إلى رؤية طويلة الأمد تتكامل فيها المفاهيم والبرامج في القطاع العام والخاص لتشييد النظام القادر على تأمين التنمية الإنسانية المُستدامة والتفاعل مع المتغيرات والتحديات في العالم، ومعالجة مشاكل التطوُّر في إطار من التعاون العربي التي تفرضها عوامل مشتركة مثل اللغة، والقِيَم، والتاريخ، والحضارة، والمصالح المشتركة، والأمن القومي، والتحديات المستقبلية. ([3])

الواقع لا يدلُّ على وجود بوادر لاعتبار إنسانية البشر كافة أولوية في السياسات الدولية لأنَّ الدول العظمى لا تزال لغاية اليوم تعتمد مبدأ الحفاظ على القوة الاقتصادية والعسكرية للسيطرة على العالم، ولا تستطيع الدول الأقل قدرة التفلُّت من تبعيَّتِها لها، واعتماد مبدأ الاستقلالية في اتِّخاذ قراراتها السياسية والاقتصادية المستمدة حالياً من الخارج من خلال الدبلوماسية الدولية، وتفشِّي الفكر الغربي الاقتصادي والسياسي في سياساتها الاقتصادية والسياسية التي أدَّت إلى خلل بنيوي في هيكل الاقتصاد وانتشار الفقر رغم المفارقة بأنَّ أغلب دول العالم الإسلامي هي الأغنى من حيث الموارد، ولكنَّها الأفقر والأضعف اقتصادياً. )[4](

ورغم الزيادة المطَّردة في النموِّ الاقتصادي، إلَّا أنَّ مبدأ الاستدامة في النموِّ غير متحقِّق بسبب انخفاض مستوى الاهتمام بحقوق الإنسان وكرامته، خاصة للطبقات الأكثر ضعفاً وعَوَزاً، مع ضعف تطبيق مبدأ العدالة والإنصاف تجاههم. وأدَّى تركيز الثروة في أيدي القلَّة من أثرياء المجتمع إلى انتشار الجوع والفقر على نطاق واسع في العالم.

أمَّا الأجيال القادمة في المستقبل، فلا مناص لها من تحمُّل المزيد من الظُّلم الاقتصادي والاجتماعي بسبب الإفراط في الاستدانة المستمرة حالياً، وتدوير الدُّيون السابقة بدل سدادها، دون اكتراث أصحاب القرار بتحمُّل المسؤولية، بل نقل عِبْء سداد كل هذه الدُّيون المتراكمة على أجيال المستقبل، وتأثيرها على الاقتصاد العالمي، الذي يُنذِر بالخراب.

ورغم وجود فجوة كبيرة بين الشريعة والممارسة الفعلية في بلدان المسلمين، وأنَّ نظام الاقتصاد الإسلامي لا يسود بكُلِّيته في أي جزء من العالم الإسلامي، إلا أنَّه لا بدَّ، للخروج من هذا المأزق، من اعتماد نظام اقتصادي متوازن وعادل ومُستدام على مستوى العالم، وإزالة أسباب الظُّلم بكل أشكاله، وإحلال رأس المال المشارك في مخاطر الأعمال، أي الاستثمار في النشاط الاقتصادي الحقيقي المنتج، مع اعتماد سياسات اقتصادية ونقدية تحافظ على استقرار قيمة النَّقد، وتُعيد توزيع الثروة والدَّخل بتمليك الأُسَر الفقيرة وسائل الإنتاج، لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

إنَّ اعتماد نظام اقتصادي يراعي المصلحة الشخصية ويعزِّز المنافسة، ويعزِّز التوازن بين جوانب المجتمع الإنساني الاقتصادية، والاجتماعية الخاصة والعامة، وبين الأفراد والمجتمع والدولة، ويتعامل بكفاءة مع العدالة في توزيع الدَّخل وتخصيص الموارد مكافحة الفقر، من خلال السياسات المالية والنقدية والاقتصادية، في ظلِّ منظومة شاملة من القِيَم والأخلاق، كلُّ ذلك يساهم في إزالة أسباب عدم الاستقرار ويجعل العالم أكثر اطمئناناً وأمناً ورفاهية، ويحفظ كرامة الإنسان.  ([5])

إنَّ إعمار الأرض واستصلاحها هدف اقتصادي عالمي يتطلَّب تخطيطاً على مستوى العالم لتحقيق الإعمار. والإسلام ينظر إلى البشر على أنَّهم أسرة واحدة تتشارك في الخيرات وتتبادل المنافع، من خلال تدارك النقص في بعض الدول بالفائض في البعض الآخر، والإغاثة في وقت النكبات. وهذه الأولوية الإنسانية تعاون الدول في إطار يحفظ حقوق الجميع، مع الانتظام على أساس أخلاقي جامع. ([6])

أسَّست السُنَّة النوية الشريفة أركاناً لعلم الاقتصاد وضوابط المعاملات المالية على اختلافها، أثبت تطبيقها مع معاييرها الأخلاقية، الحصول على نتائج اقتصادية باهرة على مستوى الإنسان أولاً، وعلى مستوى الثروة الاقتصادية للأُمَّة، ثانياً. وبهذا، نكون قد خرجنا من حيِّز النظرية إلى التطبيق المجدي خلال حقبات زمنية طويلة، ولا بدَّ لتحقيق النجاح في الزمن المعاصر، من العودة إلى هذه الأصول الراسخة حتى يتجدَّد ربيع الأمَّة.

([1]) انظر محمد عمر شابرا، نحو نظام نقدي عادل، دراسة للنقود والمصارف والسياسة النقدية في ضوء الإسلام، دار البشير، عمَّان، الأردن، ط2، 1410ه / 1990م.

([2]) انظر علي عبد القادر علي، ملاحظات استكشافية على النموّ المستدام والتنمية في الدول العربية، النمو الاقتصادي والتنمية المُستدامة في الدول العربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، ط1، 2013م، ص 46-50.   

([3]) انظر فؤاد حمدي بسيسو، أهمية النظام القائم على اقتصاديات السعادة لتحقيق الثورة الصناعية الرابعة، أعمال المؤتمر العلمي الخامس عشر للجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، 13-14 ديسمبر 2019م، ورقة عمل، ص24-41.

([4]) Khurshid Ahmad, Economic Development in an Islamic Framework, Pages 172-173.

([5]) محمد أيوب، النظام المالي في الإسلام، ترجمة عمر سعيد الأيوبي، أكاديميا، بيروت، مؤسسة محمَّد بن راشد آل مكتوم، 2009م، ص35-53.

([6]) محمود محمد بابللي، إعمار الأرض في الاقتصاد الإسلامي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1988م، ص 45-47، بتصرُّف.

توصيات

إنَّ تحقيق عزَّة الأمَّة وكرامتها تتطلَّب ركوب المصاعب وتحمُّل المشاقِّ الواردة على طريق تحقيق الأهداف المنشودة على الصعيد الاقتصادي. لذللك، فإنَّ التوصيات المقترحة ترفع مستوى المسؤولية على من بيده اتِّخاذ القرار لأنَّها تتجاوز التطبيقات الاقتصادية الفرعية إلى أسس ومبادئ السياسات الاقتصادية. أهم هذه التوصيات نتيجة البحث ما يلي:

  1. رفع مستوى التعاطي في السياسات الاقتصادية على أساس مبدأ استقلالية الدولة، وإرادتها السيادية، وقرارها الحرّ، ونبذ أشكال التبعيَّة على اختلافها أوَّلها السياسيَّة لا سيَّما الاقتصادية منها، لأيِّ جهة أو دولة.
  2. اعتماد التخطيط الاقتصادي البعيد المدى، ورسم سياسات اقتصادية جامعة لكل الطاقات والكوادر والموارد للوصول إلى أعلى درجات ممكنة من الاكتفاء الذاتي، إلى حدِّ الكفاية للأمِّة، لا سيَّما من السِّلع الاستراتيجية.
  3. إعداد كل أسباب القوة اللازمة، على قدر الإمكانيات المتوافرة، ببناء قدرات عسكرية تستطيع حماية الثروات والموارد والإنجازات الاقتصادية من أي اعتداء خارجي، أو فساد داخلي.
  4. إعطاء أولوية تامة للموارد البشرية في توفير العمل والتشغيل لأعلى نسبة ممكنة ممَّن هم في سنِّ العمل، والحياة الكريمة بتعليم جيِّد، ورعاية صحية كافية، ومستوى لائق من المعيشة، بدخلٍ لا يقلُّ عن حدِّ الكفاية، مع الأخذ بالاعتبار حقوق ممَّن يعاني من التعطيل القسري عن العمل، ولا يستطيع المشاركة في الإنتاج الاقتصادي.
  5. إعداد موازنة الدولة اعتماداً على أساس الواردات أولاً، والانفاق بموجب ما يتوافر للدولة من موارد مالية، ونبذ مبدأ تمويل الموازنة بالعجز، وإنفاذ القوانين التي تتيح للقطاع الخاص الدور الفاعل لإنجاز المشروعات الاقتصادية المنتجة في مختلف القطاعات الاقتصادية.
  6. تأكيد مبدأ الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية بما يمنع إفسادها أو إتلافها، مع الاستفادة منها، وصيانتها لما يحفظ حقوق الأجيال اللاحقة للانتفاع بها على الدوام، واعتماد مبدأ التنمية الاقتصادية المستدامة بالضوابط الشرعية، يكون الإنسان محور اهتمامها.
  7. إقرار الدولة سياسة دعم مؤسَّسات التكافل الاجتماعي على اختلاف نشاطاتها ومستوياتها، لتأمين كفاية الأفراد والأُسَر التي لا تستطيع كفاية نفسها من ناتجها الاقتصادي.
  8. إصلاح النظام القضائي، بما يكفل استقلاليته، لتحقيق العدل في الخصومات والنزاعات التي يمكن أن تنشأ نتيجة العلاقات والمعاملات المالية والاقتصادية.
  9. إقرار القوانين الحديثة التي تضمن حرية دخول المتعاملين إلى الأسواق، وتوفير المعلومات إلى المتعاملين، ومكافحة أسباب الاحتكار ومظاهر التحكُّم غير التنافسي في الأسواق، وإقرار عقوبات رادعة بما يكفل استقرار الأسواق والأسعار.
  10. اعتماد سياسة نقديَّة فعَّالة تحقِّقُ استقرار سعر النَّقد الوطني، وتحافظ على قيمته، وتحميه من التقلُّبات الجامحة التي تؤدي انخفاض قيمته الشرائية، وتُذيب ثروة الأفراد والدولة.
  11. اعتماد مبدأ التكامل الاقتصادي مع الدول المجاورة، ومبدأ التعاون الاقتصادي مع دول العالم، بما يحقِّق الأهداف الاقتصادية المرسومة للدولة، ويوسِّع أسواقها ومكاسبها الاقتصادية.

لائحة المراجع

  • فؤاد حمدي بسيسو، أهمية النظام القائم على اقتصاديات السعادة لتحقيق الثورة الصناعية الرابعة، أعمال المؤتمر العلمي الخامس عشر للجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، 13-14 ديسمبر 2019م.
  • علي عبد القادر علي، ملاحظات استكشافية على النمو المستدام والتنمية في الدول العربية، النمو الاقتصادي والتنمية المُستدامة في الدول العربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، ط1، 2013م.  
  • مُحمَّد أيوب، النظام المالي في الإسلام، ترجمة عمر سعيد الأيوبي، أكاديميا، بيروت، مؤسَّسة مُحمَّد بن راشد آل مكتوم، 2009م.
  • مُحمَّد عمر شابرا، نحو نظام نقدي عادل، دراسة للنقود والمصارف والسياسة النقدية في ضوء الإسلام، دار البشير، عمَّان، الأردن، ط2، 1410ه / 1990م.
  • محمود مُحمَّد بابللي، إعمار الأرض في الاقتصاد الإسلامي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1988م.
  • Studies in Islamic Economics, Edited by Khurshid Ahmad, First Int’l Conference on Islamic Economics at King Abdul-Aziz University, Makkah, Feb. 21-26, 1976, Islamic Foundation, UK, 1980.

مواقع الكترونية

اقرأ المقالات

زر الذهاب إلى الأعلى